-->
علوم قانونية و ادارية علوم قانونية و ادارية

اخر المواضيع

جاري التحميل ...

تفسيرالنصوص الجنائية

تفسير النصوص الجنائية

 

إعداد الطالب: تميم بن سعود آل تويم

إشراف الدكتور: مسعد زيدان

الفصل الأول

1437-1438هـ

 

 

الفهرس

تفسير النصوص الجنائية. - 0 -

المبحث الأول : المقصود بالتفسير : - 0 -

المبحث الثاني : أنواع التفسير و مناهجه: - 0 -

المبحث الثالث : التفسير الدقيق للنصوص الجنائية : - 0 -

المبحث الرابع : تفسير المحكمة الدستورية العليا المصرية للتشريع : - 0 -

المبحث الخامس : الشك في معرفة إرادة المشرع : - 0 -

المبحث السادس:مدى سلطة القاضي الجنائي في الالتجاء إلى القياس : - 0 -

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمــة

     إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.  أما بعد...

         فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : " تفسير النصوص الجنائية "  

و سيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة  مصادر ومراجع علمية حيث كانت هناك صعوبة كبيرة في توفير عدد أكبر من المراجع و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات...

 وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ..

و الله الموفق...

 

المبحث الأول : المقصود بالتفسير :


تفسير النصوص الجنائية هو ضرب من ضروب التفسير القانوني عموماً ، وهو عمل ذهني محفوف بالمخاطر لابد من الإقدام عليه أحياناً لما قد يعتري النص ، فقد يكون النص غامضاً فيتعين استيضاحه ،  وقد يكون ملتبساً إذ تتناقض عباراته أو يتعارض مفهومه اللغوي مع مفهومه القانوني فيتوجب استظهار معناه الحقيقي ، وقد يكون من حيث نطاقه بالغ الضيق فيقول أقل مـما أراد ، أو بالغ الاتساع فيقول أكثر مما يجب وفي الحالتين يتوجب تحديد نطاقه ورسم حدوده (1).

   إذن يقصد بالتفسير تلك العملية الذهنية التي يمكن عن طريقها التوصل إلى المعنى الحقيقي للنص القانوني، حتى يتسنى للقاضي تطبيق النص على الوقائع المعروضة عليه للفصل فيها، خاصة في الحالة التي تكون فيها النصوص غامضة وتحتمل التأويل أو تثير اللبس، لذا يتعين على القاضي البحث عن المعنى الذي أراده المشرع من خلال وضعه لهذا النص.

    والتفسير عملية قضائية تخص كل النصوص القانونية لا الجزائية فقط، حيث كل نص يحتاج إلى استجلاء معناه ومحتواه، لدرجة أن بعض الفقه رأى انه: لا قضاء بدون تفسير.

    غير أن القواعد الجنائية، وبالنظر لمساسها بحقوق وحريات الأفراد، نجد الدستور قد خصها بقواعد معينة يجب أن يتم إتباعها في حالة إرادة تفسيرها، خاصة وان الإخلال بمثل هذه القواعد يخل بمبدأ الشرعية الجنائية ذاته.

    لذا فكيفية تفسير النصوص الجنائية التي بطبيعتها تعد نصوصا عامة ومجردة، تكون بمحاولة تطبيقها على الوقائع التي تحدث بالنظر لكل واقعة على حدة، فالمشرع إن كان يضع النصوص الجنائية، فالقاضي هو الذي يقع عليه إثبات تطبيقها، لذا فمن الواجب عليه النظر فيما إن كانت الواقعة التي حدثت تندرج تحت النص الذي سنه المشرع.

    والتفسير هو البحث عن المعنى الحقيقي للنص العام المجرد، بحيث يمكن تطبيقه على الوقائع المادية، وهو شأن كل قاعدة جنائية حتى ولو لم يكن يشوبها غموض أو إبهام، حيث كل قاعدة جنائية لا بد لها من تفسير وشرح.

    وتقيدا بمبدأ الشرعية الجنائية، وتحقيقا للعدالة الجنائية، فإن تفسير النصوص الجنائية بمختلف أنواعها تخضع لبعض القواعد الخاصة، حتى لا يكون التفسير اعتداء على مبدأ الشرعية الجنائية وبالتالي اعتداء على الحقوق والحريات.

 

 

المبحث الثاني : أنواع التفسير و مناهجه:


التفسير أنواع تختلف باختلاف الجهة القائمة به، فهناك:

 تفسير تشريعي الذي يقوم به المشرع نفسه وهو ما يسمى ب:" التفسير الصحيح" حيث يأخذ قوة القانون.

 وتفسير قضائي:

 وهو الذي يقوم به القضاة، بصدد تطبيقهم النصوص الموضوعية على الوقائع المعروضة عليهم، وهو غير ملزم إلا في حدود القضية التي صدر فيها بالنسبة لأطرافها والمحكمة التي قامت به، وتفسير فقهي وهو شروح فقهاء القانون، وهو يعد في حقيقته عرض لوجهات النظر وله أهمية كبرى في إثراء الفكر القانوني، كما يساعد القضاة في التفسير.

مناهج التفسير : و تتمثل في :

المنهج الحرفي Littéral  أو المنهج التقليدي أو الضيق، الذي يرتبط به المفسر ارتباطا وثيقا بالنص، وجعل النص يغلب على روح القانون، وهو أضيق أنواع التفسير، والمعتمد كثيرا حتى عبر بأنه " لا اجتهاد مع النص"، وهو المنهج الذي نادى به بيكاريا القائل " القضاة لا يجب عليهم أن يفسروا القانون لسبب وحيد هو أنهم ليسوا مشرعين"، ويقول مونتسكيو في هذا الشأن :" القاضي هو عبارة عن الفم الذي ينطق به القانون"، و" أن الحكم القضائي هو عبارة عن النص المحدد للقانون"

وهناك المنهج الغائي Téléologique الباحث في الغاية أو الهدف من القانون، معتمدا على الإرادة الصريحة أو المفترضة للمشرع الجنائي، حيث القاضي في تفسيره للنصوص يجب أن يعكس وجهة نظر المشرع الحقيقية، ويرى البعض أنه تفسير تقريري من خلاله نقرر إرادة المشرع، وهو المنهج المعتمد حاليا في أغلب الأنظمة القانونية كونه يتفق مع الفكر القانوني والثقافي العام ويتناسب أكثر مع تطور الحياة الاجتماعية المنهج القياسي Analogique  حيث لا يقصد به عند بعض الفقه القياس فقط وإنما القياس على النظام القانوني ككل.

ويذهب أغلب الفقهاء إلي القول بأن تفسير النصوص الجنائية ينبغي أن يكون ضيقاً، ويعني ذلك في رأي البعض فرض قيود تحكمية علي النشاط الذهني للمفسر ، وغلاً للقانون عن مواجهة الظروف الجديدة ، بيد أن الرأي الراجح في الفقه الجنائي قد اطرد علي ألا يكون للمفسر سوي الكشف عن قصد المشرع (1).

المبحث الثالث : التفسير الدقيق للنصوص الجنائية :


يتقيد القاضي الجنائي بتفسير القواعد الجنائية ، وهي التي يتضمنها كل من قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية ، لتحديد حقيقة محتواها تعبيراً عن إرادة المشرع في تحقيق فاعلية العدالة الجنائية أو ضمان الحقوق والحريات، وملتزما في ذلك بمبدأ الشرعية الجنائية(1) .

وقد توهم البعض بصدد البحث في قاعدة مبدأ الشرعية الجنائية ، بأن القاضي الجنائي يلتزم بإتباع منهج معين في التفسير يطلق عليه التفسير الضيق أو الحرفي .

وأنصار هذا الاتجاه هم الذين أنكروا على القاضي الجنائي سلطة التفسير ودعوا إلى إسنادها إلى السلطة التشريعية ، حتى لا يتحول القضاة إلى مشرعين . ولكن مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية لا يؤدي إلى رفع واجب تفسير القانون عن عاتق القضاة لأن التفسير الصحيح يجب آلا يوسع أو يضيق من النطاق السليم للقانون ، ولا يجوز أن ينشئ معنى يخرج عن إرادة القانون .

وإذا كان التجريم والعقاب يستند إلى القانون ، فإنه من غير المفهوم ، الحديث عن التفسير الضيق أو الحرفي للقانون . فالقاضي عندما يفسر القانون لا يعطي رأيه الشخصي ، ولكنه يبحث عن المعنى الحقيقي للقانون ، وعن قيمته الموضوعية كما أرادها المشرع . هذا إلى أن منهج التفسير الحرفي أو الضيق يجد تبريره الوحيدة في العصر الذي نشأ فيه ، حيث ظهرت المدرسة الكلاسيكية بزعامة بيكاريا كرد فعل ضد تحكم النظام القديم والسلطة التحكمية للقضاة . ولكن المبدأ في حدة ذاته تنقصه الموضوعية ، ذلك أن التفسير الضيق أو الحرفي يفترض الدقة من جانب المشرع في التعبير عن إرادته وهي أمر غير موجود سواء من حيث الشكل أو الموضوع فالقانون قد ينطوي على عدم دقة في الصياغة وكثيراً ما تشوبه بعض المتناقضات الظاهرية ، ولا يمكن أن نطالب القاضي بأن يكون بوقاً يردد هذه الأخطاء ، فعليه أن يبحث عن إرادة واضع القانون من خلال كافة العبارات والصيغ المستعملة في نصوصه المتكاملة للتعبير عن هذه الإرادة . ومتى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها ، فإنها يجب أن تعد تعبيراً عن إرادة الشارع . ومن ناحية أخرى ، فإن إرادة المشرع التي ضمنها النص ليست مبدأ جامداً محكوما بالوقائع الاجتماعية المتوافرة وقت وضع النص ، بل هي إرادة متطورة بتطور هذه الوقائع الاجتماعية طالما أنها تراعي المصلحة الاجتماعية المحمية بالنص ، ذلك أن هذه المصلحة تبلور إرادة المشرع وتحدد تبعاً لها نطاق تطبيق نصوصه ، ولم يصنع القانون من أجل اليوم فقط ، بل إنه صنع من أجل المستقبل . وإرادة القانون بهذا المعنى تترك للتفسير مهمة تحديد معنى النصوص القانونية المجردة في ضوء التحولات والتغيرات الاجتماعية . ولا يجوز المبالغة في ذلك خشية افتراض القاضي لإرادة القانون لأنه يجب أن يلتزم دائماً بالإرادة الحقيقية أو المفترضة افتراضاً منطقياً في ضوء الوقائع الاجتماعية الجديدة ، ومع احترامه للصيغة التي استعملاه القانون للتعبير عن هذه الإرادة تحقيقاً للاستقرار القانوني . وكل انحراف من جانب القاضي عن هذا سوف يعتبر خطأ في تأويل القانون تصححه محكمة النقض (1).

وإذا طبقنا هذا المنهج لوجدنا أنه يقدم لنا الحلول الصحيحة بوجه خاص عندما يعبر القانون عن فكرة متحركة متطورة بحسب طبيعتها مثل النظام العام أو الآداب العامة . وكذلك الشأن لمواجهة الاختراعات العلمية التي تصلح محلا أو أداة للجريمة ، مثل الطاقة الكهربائية كمحل للسرقة ، والراديو والتلفزيون كوسيلة للعلانية في جرائم النشر .

وغني عن البيان ، فإن هذا المنحى في تفسيره لا يترتب عليه مطلقاً تجاوز المعنى الواضح في النص ، ذلك أن المنهج السليم للتفسير هو في معرفة إرادة المشرع من خلال الصيغة التي عبر فيها عن هذه الإرادة . هذا مع ملاحظة أن الوضوح المطلوب لا ينصرف فقط إلى عبارة النص ، وإنما يتعلق أيضا بالمعنى والفكرة التي تنبثق عن النصف ، فلا يجوز الاعتماد على مجرد الوضوح اللغوي الذي قد لا يتفق مع الفكر الحقيق للقانون ، كما يبدو من مجموع نصوصه ، وتاريخه ، وأعماله التحضيرية ، وتطوره الاجتماعي والعلمي والفلسفي . فإطار القانون لا يتحدد بشكل جامد ، وذلك باعتبار أنه قد صنع من أجل المستقبل .

ويلتزم القاضي الجنائي باحترام قواعد الدستور في أثناء تفسيره للقواعد الجنائية ، حتى يكون تفسيره مطابقاً للدستور . ولا يقتصر الأمر على مجرد تحقيق هذه المطابقة ، بل يتجاوزه إلى تحقيق مصداقية التفسير التي تعبر عن إرادة المشرع الواعية المتطورة . فالحقوق والحريات تتلقى مظلة حمايتها من الدستور ذاته ، وما التشريع إلا منظم لهذا الحماية . ولهذا فإنه على الرغم من الأخذ بالرقابة السابقة في فرنسا ، فإنه من المقرر أن القاضي حين يطبق النصوص التشريعية يجب عليه تفسيرها وفقاً للمعنى المطابق للدستور طالما أن نصوص التشريع تتسع لذلك . فإذا خلا نص تشريعي من كل ضمان أورده الدستور ، فلا يفسر هذا الخلو بعيداً عن النص الدستوري، بل يجب تطبيق نصوص الدستور مباشرة لتوفير هذا الضمان . (1)


المبحث الرابع : تفسير المحكمة الدستورية العليا المصرية للتشريع :


نصت المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا المصرية على أن (تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور ، وذلك إذا أثارت خلافاً في التطبيق ، وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها ) . ويلاحظ أن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالتفسير التشريعي لا يغل اختصاص السلطة التشريعية في إقرار قوانين التفسير . والفارق بين اختصاص القضائي الدستوري بالتفسير مشروط بشرطين : هما أن تكون للنص التشريعي المراد تفسيره أهمية جوهرية – لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ، ووزن المصالح المرتبطة بها ، وأن يكون هذا النص –فوق أهميته – قد أثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه ، تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل عملاً بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم ، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها ، ويهدر بالتالي المساواة بينهم في مجال تطبيقها . أما الاختصاص التشريعي بالتفسير فهو غير مشروط ، والأمر متروك لتقدير السلطة التشريعية نظرا إلى الحاجة في إجلاء ما قد يكتنف النص من غموض يعرض للاختلاف في التطبيق مما يمس بمبدأ المساواة أما القانون .

وتفسير إرادة المشرع لا ينشئ حكما جديداً ، بل يعد القانون التفسيري ، وكذلك قرار المحجمة الدستورية العليا بالتفسير ، مندمجاً في النص موضوعه وجزءاً منه لا يتجزأ ، وساريا بالتالي منذ نفاذه ، ومن ثم يعد النص محل التفسير وكأنه صدر ابتداء بالمعنى الذي تضمنه قانون أو قرار التفسير ، وليس ذلك إجراء لآثر رجعي لهذا القانون أو القرار ، بل هي إرادة المشرع التي حمل النص القانوني عليها منذ صدوره بعد تجليه دلالته.

ومن ناحية أخرى فإن دراسة منهج الرقابة على دستورية القوانين تكشف عن أن المحكمة الدستورية العليا قد تلجأ إلى تفسير النص التشريعي المطعون فيه بمناسبة فصلها في دستورية نصوص قانونية على نحو يجنبها الحكم بعد دستوريته أو في مجال الحكم بعد الدستورية . كما قد تلجأ إلى التفسير في أثناء مباشرة ولايتها في مجال الفصل في دعاوي التنازع . وإذا كان هذا التفسير في الحالتين المتقدمتين هو دعامة الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا وكان القول به في مجال الفصل في مسألة دستورية فإنه ينال الحجية المطلقة والكاملة التي أسبغها قانون المحكمة الدستورية العليا على أحكامها(1) .

 المبحث الخامس : الشك في معرفة إرادة المشرع :


من المقرر قانوناً أن الشك يفسر لمصلحة المتهم عندما يرد على أدلة إثبات التهمة . وهي قاعدة من قواعد الإثبات تتفرع عن الأصل في التهم البراءة ، إلا أنه يدق البحث عن الشك في تحديد معنى القانون ، وهو ما يتولد عن الشك في تحديد إرادة المشرع ، فالقاضي مكلف باستخلاص معنى القانون وتحديد نطاقه ، ولا يجوز مله الامتناع عن القضاء بحجة أن القانون من الصعب التوصل إلى معناه . فإن الفرض في القانون أنه يستهدف معنى معيناً ، فالمشرع لا ينطق باللغو. ومن ناحية أخرى لا يقبل الاعتذار بالجهل بالقانون ، فكل شخص يفترض فيه العلم بالقانون : بمعناه ، بإرادته ، بنطاق تطبيقه ، ولا يقبل من جانبه الدفع بالشك في تحديد معنى القانون أو إرادته . إذن فإن واجب الفرد هو العلم بالقانون ووظيفة القاضي هي تطبيق القانون و كلا الاثنين لا يجيز الادعاء بوجود شك في تحديد معنى القانون . فهذا الشكل معناه عدم الاستقرار على معرفة إرادة القانون ، وهذه الإرادة أمر يجب السعي نحو الإحاطة بها وعدم الخلاف في تحديدها ، لأنه لا وجود للقانون دون إرادة . والقانون إما أن يكون أو لا يكون ، هذا بخلاف أدلة الإثبات فإن تقديرها أمر موضوعي يتوقف على الاقتناع الشخصي . ومن المتصور حصول شك في تقدير قيمة الإرادة ، فماذا يكون الحل عندئذ؟ إنه لا بد من الرجوع إلى الأصل العام وهو براءة المتهم حتى تثبت إدانته . هذا بخلاف الحال عند الشك في تحديد إرادة القانون ، فإن ذلك الشك لا يستقيم مع واجب القاضي في تفسير القانون من أجل تطبيقه . ولذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الامتناع عن تطبيق القانون على المتهم بحجة أنه غامض لا يصلح أن يكون عذراً ، وأنه لا يجوز تبرئة المتهم بناء على أن مجرد الشك في تحديد معنى القانون يفسر لمصلحة المتهم . وطالما كان في استطاعة القاضي تحديد معنى القانون ، وجب عليه الوصول إلى هذه الإرادة دون تغليب معنى على آخر ، بناء على أن أحد المعنيين هو في صالح المتهم ، لأن الهدف الذي يتوخاه دائخا هو في تحديد إرادة القانون أيا كان اتجاهها سواء كان في صالح المتهم أو في غير صالحه(1) .

ومع ذلك ، فإن النص القانوني قد يكون بالغ الغموض وينقصه التحديد مما يجعل مهمة القاضي في التفسير مستحيلة . ففي هذه الحالة لا نكون بصدد مجرد شك في تحديد إرادة القانون ، وإنما نكون حيال تقدر كامل في تحديد هذه الإرادة . وأمام غموض النص وعدم تحديده لا يمكن نسب الجريمة إلى المتهم أو الحكم عليه بعقوبة ما ، لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص . وهذا المبدأ يفترض الوضوح والتحديد في النص حتى يكون مصدر للتجريم والعقاب . ويسرى ذات المبدأ إذا كان النص متعلقاً بإجراء ماس بالحرية ، فإن عدم تحديد إرادة المشرع حول المساس بالحرية يتطلب إهدار إرادة هذا المساس . تأكيدا للأصل العام في الإنسان وهو البراءة .

ومع ذلك فإن مجرد الشك في تفسير قانون العقوبات يفسر لمصلحة المتهم ، بعد أن يعجز القاضي عن تحديد معناه . وإذا كان النص غامضاً يفتقر إلى التحديد أصبح غير صالح للتجريم والعقاب وغير صالح للمساس بالحرية الشخصية في الإجراء الجنائي ، مما يتعين معه إهمال النص والعودة للقواعد العامة . فإذا تعذر تحديد احد نصوص التحريم تعين تبرئة المتهم باعتبار أن الأصل في الأفعال الإباحة ، وإذا أصاب التعذر نصا يتعلق بأحد الظروف المشددة تعين إهدار هذا الظرف .

وكذلك الشأن بالنسبة إلى قواعد الإجراءات الجنائية ، فإذا تعلق الغموض بقيد إجرائي ضد المتهم تعين إسقاطه وعدم اشتراطه . أما إذا تقلق الغموض بضمان إجرائي لصالح المتهم ، فإنه لا يؤثر في مبدأ تواق الحرية التي يحميها هذا الضمان لأن الأصل هو تمتع الفرد بالحرية ، وبراءة المتهم ويتعين على القاضي أن يفسر إرادة المشرع في الجانب الذي يتفق مع هذا الأصل العام (1).

المبحث السادس:مدى سلطة القاضي الجنائي في الالتجاء إلى القياس :


القياس هو وسيلة عملية تهدف إلى استكمال ما يشوب القانون من نقص عن طريق إيجاد الحل لمسألة مماثلة لها . وعلى هذا النحو فإن القياس ليس وسيلة لاستخلاص إرادة القانون في إطار الصيغة التي استعملها ، بل إنه يفترض أن القانون لم ينظم المسألة محل البحث ولم يقدم لها مباشرة الحل الواجب التطبيق .

ومن المقرر أن التوازن بين الحقوق والحريات فيما بينها ، أو بينها وبين المصلحة العامة يتطلب وضع حدود لممارسة الحقوق والحريات ، وإعطاء حدود لممارسة الحقوق والحريات ، وإعطاء المشرع سلطة التجريم والعقاب . ولا شك في أن هذه السلطة تأتي قيدا على الحقوق والحريات تقتضيه الضرورة الديمقراطية . وهذا القيد بطبيعة الحال لا يجوز التوسع في تفسيره ، لأنه استثناء على أصل عام ، والاستثناء لا يقاس عليه .

من أجل هذا ، فإنه طبقا لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات تقتصر مهمة التجريم وتقرير العقاب على القانون وحده ، ولا يملك القاضي أي سلطة في هذا الشأن ولو كان عن طريق سد ثغرة في القانون بواسطة القياس . لقد اقتضت حماية الحرية الفردية أن يكون التجريم والعقاب بيد المشرع وحده ، وأن يقتصر دور القاضي على مجرد التفسير كخطوة نحو التطبيق السليم للقانون .

على أن قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات لا تتعارض إلا مع استعمال القياس من أجل خلق جريمة جديدة أو عقوبة جديدة أو ظرف مشدد جديد . ولكنه لا يتعارض مطلقاً بالنسبة إلى تطبيق النصوص لصالح المتهم كالتي تقرر أسباب الإباحة أو موانع المسئولية أو موانع العقاب أو الأعذار القانونية المخففة .

ففي هذا الحالات لا يؤدي القياس إلى الافتئات على سلطة المشرع وحدة في التحريم وفرض العقاب ، بل إن هذا القياس هو استصحاب على الأصل العام في الأفعال وهو الإباحة . والقياس في هذا المجال هو تأكيد لها الأصل العام ومن ثم فإنه جائز قانوناً وقد استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على إجازة القياس لصالح المتهم . من أمثلة ذلك أنه قاس على السرقة بين الأصول والفروع والأزواج التي لا تؤدي إلى غير التعويض المدني (المادة 380 عقوبات) ، جرائم النصب . وخيانة الأمانة .

كما استخلص القضاء الفرنسي أن حالة الضرورة تعد من أساب الإباحة رغم عدم وجود نص خاص بهذا المعنى ، نص عليها قانون العقوبات الفرنسي الجديد المادة 122-7 . وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية كذلك على إجازة القياس لصالح المتهم .

ومن ناحية أخرى ، فيجوز القياس في قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى القواعد التي تكفل الحرية الفردية ، استصحابا على أن الأصل في الفرد هو التمتع بالحرية ، لأن الأصل في المتهم البراءة ، وهو ما يقتضى تأكيد كافة ضمانات حريته الفردية . هذا بخلاف القواعد الإجرائية الماسة بالحرية ، فقد وردت على سبيل الاستثناء . وقد توهم البعض أن تقيد القاضي الجنائي بقاعدة الشرعية يلزمه بإتباع منهج معين في التفسير الضيق أو الحرفي . وأنصار هذا الاتجاه هم الذين أنكروا على القاضي الجنائي سلطة التفسير ودعوا إلى إسنادها إلى السلطة التشريعية ، حتى لا يتحول القضاة إلى مشرعين . ولكن مبدأ الفصل بين السلطتين القضائية والتشريعية لا يمكن مطلقا أن ينزع من القضاء رخصة تفسير القانون ، لأن التفسير الصحيح يجب ألا يوسع أو يضيق من النطاق السليم للقانون ، ولا يجوز أن ينشئ معنى يخرج عن إرادة القانون ، وإذا كان التجريم والعقاب يستند إلى القانون ، وكان منهج التفسير المتبع لا يخرج عن نطاق هذا القانون . فإنه من غير المفهوم ، الحديث عن التفسير الضيق أو الحرفي للقانون . فالقاضي عندما يفسر القانون لا يعطى رأيه الشخصي ، ولكنه يبحث عن المعنى الحقيقي للقانون ، عن قيمته الموضوعية كما أردها المشرع . هذا إلى أن منهج التفسير الحرفي أو الضيق يجد تبريره الوحيد في العصر الذي نشأ فيه حين ظهرت المدرسة الكلاسيكية بزعامة بيكاريا كرد فعل ضد تحكم النظام القديم والسلطة التحكيمية للقضاة . ولكن المبدأ في حد ذاته تنقصه الموضوعية ، ذلك أن التفسير الضيق أو الحرفي يفترض الاتفاق من جانب المشرق في التعبير عن إرادته لكشف الحقيقة وتقرير حق الدولة في العقاب . ونظراً لتعلق هذا الحق بالحرية الشخصية فلا يجوز تنظيمها إلا بقانون ، ومن ثم فإن القياس عليها غير جائز . وتطبيقها لذلك حكم في فرنسا بأن النص على التزام الخبير بحلف اليمين قبل مباشرة مهمته عند انتدابه في أحوال التلبس ، يمكن القياس عليه بالنسبة إلى جميع الخبراء ، وأن النصف على عدم تحليف اليمين بالنسبة إلى الشاهد الذي لم يبلغ الخامسة عشر التحقيق الابتدائي يسيري من قبيل القياس على التحقيق أمام المحكمة . وقد حكم بإبطال الاعتراف الذي حصل عليه البوليس بطريق التليفون قياسا على المبادئ العامة لحقوق الدفاع . وقضت محكمة النقض المصرية بقياس جريمتي النصب وخيانة الأمانة على السرقة بالنسبة إلى تعليق رفع الدعوى الجنائية على تقديم شكوى من المجني عليه في جريمة السرقة التي تقع بين الأصل والفروع والأزواج ، وذلك طبقاً للمادة 312 عقوبات (1).

الخاتمة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ... نخلص في هذا البحث إلى أن غالبية الفقه يرون بأن القاضي في تفسيره النصوص الجنائية يجب أن يتبع أسلوب التفسير الضيق أو الحرفي،(1) وأنصار هذا الاتجاه وصلوا حتى دعوة إسناد عملية التفسير للسلطة التشريعية حتى لا يتحول القاضي إلى مشرع وهو تبرير يجد سنده في العصر الذي وجد فيه المبدأ، حيث ظهرت المدرسة الكلاسيكية كرد فعل عن التحكم والتعسف الذي كان يمارسه القضاة آنذاك، لكن يرى البعض أن هذا الأمر وهم ولا يستند لأي أساس قانوني سوى على العامل الزمني الذي نشأ فيه مبدأ الشرعية الجنائية، خاصة وان القاضي وهو يفسر النصوص الجنائية، لا يعطي رأيه الشخصي وإنما يبحث عن المعنى الحقيقي للقانون، وعن المعنى الموضوعي للنص كما أراده المشرع.

 ومن جهة ثانية، إلزام القاضي بالتفسير الضيق يفترض قانونا أن تكون النصوص الجنائية الصادرة عن المشرع دقيقة شكلا ومضمونا، وهو غير الموجود في الواقع، إذ كثيرا ما تتصف النصوص الجنائية بعدم الدقة، وينطوي في بعض الحيان على بعض المتناقضات الظاهرية، ثم أن إرادة المشرع التي ضمنها النص، ليست مبدأ جامدا محكومة بالوقائع الاجتماعية السائدة وقت صياغة النص، بل هي إرادة متطورة بتطور الوقائع الاجتماعية التي تعد بلورة لإرادة المشرع، أو المصلحة تبلور إرادة المشرع وتبعا لها يتحدد نطاق تطبيق نصوصه، والقانون لم يصنعه المشرع ليومه فقط، بل صنع للمستقبل، وعلى هذا النحو ترك أمر التفسير لأجل تحديد معنى النصوص القانونية في ضوء التحولات والتغيرات الاجتماعية، والقاضي في ذلك ملزم دائما بالإرادة المفترضة للمشرع افتراضا منطقيا في ضوء الوقائع الاجتماعية الجديدة، مع احترامه للصيغة التي استعملها المشرع في صياغة النصوص احتراما لمسألة الاستقرار القانوني، خاصة وان القانون في الكثير من الأحيان يبنى على أفكار متحركة ومتطورة بطبيعتها، كأفكار النظام العامة والآداب العامة، ومسالة الاختراعات العلمية والتطورات التكنولوجية، ومفهوم المنقول والعقار... وبالتالي القاضي في تفسيره للنصوص الجنائية، يجب أن يبحث عن إرادة المشرع من خلال الصيغة التي عبر من خلالها عن هذه الإرادة، وأن يراعي مجمل الأحكام الدستورية المتعلقة بالمسألة حتى يكون تفسير القاضي مطابقا للدستور.

هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...

و بالله التوفيق ...

 

 

 

قائمة المراجع

1-             أحمد فتحي سرور : القانون الحنائي الدستوري , الطبعة الثانية , دار الشروق , القاهرة , 1422هـ .

2-             سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات .منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت , 2003.

3-             محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية  , بيروت , 1989.

 



(1) سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات , منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت , 2003، ص 356 وما بعدها .

(1) محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية , القاهرة 1989م , ص 86 -92 .

 

(1) أحمد فتحي سرور : القانون الجنائي الدستوري , الطبعة الثانية , دار الشروق , القاهرة , 1422هـ , ص 95.

 

(1) أحمد فتحي سرور : القانون الحنائي الدستوري , مرجع سابق , ص 96.

(1) أحمد فتحي سرور : القانون الحنائي الدستوري , مرجع سابق , ص 97.

(1) أحمد فتحي سرور : القانون الحنائي الدستوري , مرجع سابق , ص 99.

(1) أحمد فتحي سرور : القانون الحنائي الدستوري , مرجع سابق , ص 100.

(1) أحمد فتحي سرور : القانون الحنائي الدستوري , مرجع سابق , ص 100.

(1) أحمد فتحي سرور : القانون الحنائي الدستوري , مرجع سابق , ص 104.

(1) محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية  , بيروت , 1989، ص 86 -92 .

التعليقات



، اشترك معنا ليصلك جديد الموقع اول ً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

احصائيات الموقع

جميع الحقوق محفوظة

علوم قانونية و ادارية

2010-2019